الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدًا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه. {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة، أو أيام الله واليوم الآخر خصوصًا. وقيل هو كقولك أرجو زيدًا وفضله، فإن {اليوم الآخر} داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و{لمَنْ} كان صلة لحسنة أو صفة لها. وقيل بدل من {لَكُمْ} والأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه. {وَذَكَرَ الله كَثيرًا} وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك.{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُوا هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} بقوله تعالى: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم} الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام «سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم» وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر» وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة. {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} ظهر صدق خبر الله ورسوله أو صدقًا في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء، وإظهار الاسم للتعظيم. {وَمَا زَادَهُمْ} فيه ضمير {لَمَّا رَأَوُا} أو الخطب أو البلاء. {إلاَّ إيمَانًا} بالله ومواعيده. {وَتَسْليمًا} لأوامره ومقاديره.{مّنَ المؤمنين رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإعلاء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق، فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه. {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان. {وَمنْهُمْ مَّن يَنتَظرُ} الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما. {وَمَا بَدَّلُوا} العهد ولا غيروه. {تَبْديلًا} شيئًا من التبديل. روي أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام: «أوجب طلحة» وفيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل، وقوله: {لّيَجْزىَ الله الصادقين بصدْقهمْ وَيُعَذّبَ المنافقين إن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ} تعليل للمنطوق والمعرض به، فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى، والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة. {إنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحيمًا} لمن تاب.{وَرَدَّ اللهُ الذين كَفَرُوا} يعني الأحزاب.{بغَيْظهمْ} متغيظين. {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب. {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} بالريح والملائكة. {وَكَانَ الله قَويًّا} على إحداث ما يريده. {عَزيزًا} غالبًا على كل شيء.{وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم} ظاهروا الأحزاب. {مّنْ أَهْل الكتاب} يعني قريظة. {من صَيَاصيهمْ} من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك. {وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرعب} الخوف وقُرئ بالضم. {فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا} وقُرئ بضم السين روي: أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال: أتنزع لأمتك والملائكة لم يضعوا السلاح إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم إحدى وعشرين أو خمسًا وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم: «تنزلون على حكمي» فأبوا فقال: «على حكم سعد بن معاذ» فرضوا به، فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» فقتل منهم ستمائة أو أكثر وأسر منهم سبعمائة.{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} مزارعهم {وديارهم} حصونهم {وأموالهم} نقودهم ومواشيهم وأثاثهم.روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال: إنكم في منازلكم وقال عمر رضي الله عنه: أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال: لا إنما جعلت هذه لي طمعة {وَأَرْضًا لَّمْ} كفارس والروم، وقيل خيبر وقيل كل أرض تفتح إلى يوم القيامة.{وَكَانَ الله على كُلّ شيء قَدِيرًا} فيقدر على ذلك.{يا أيها النبى قُل لأزواجك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا} السعة والتنعم فيها {وَزِينَتَهَا} زخارفها {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ} أعطكن المتعة {وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} طلاقًا من غير ضرار وبدعة. روي أنهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت. فبدأ بعائشة رضي الله عنها فخيرها فاختارت الله ورسوله، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فأنزل {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيمًا لإِرادتهن الرسول يدل على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافًا لزيد والحسن ومالك وإحدى الروايتين عن علي، ويؤيده قول عائشة رضي الله عنها خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه. ولم يعده طلاقًا وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق. قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية، واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه، وقُرئ {أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} بالرفع على الاستئناف.{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة فَإِنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} يستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للتبيين لأنهن كلهن كن محسنات.{يا نساء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة} بكبيرة.{مُّبَيّنَةٍ} ظاهر قبحها على قراءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء.{يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه، لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد، وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان {يضعف} على البناء للمفعول، ورفع {العذاب} وابن كثير وابن عامر {نضعف} بالنون وبناء الفاعل ونصب {العذاب}.{وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيرًا} لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه. اهـ.
.قال الخطيب الشربيني: ولما أخبرهم تعالى بما علم مما أوقعوه من أسرارهم وأمره صلى الله عليه وسلم بوعظهم، حذرهم بدوام عمله بمن يخون منهم بقوله تعالى: {قد يعلم الله} الذي له إحاطة الجلال والجمال {المعوقين منكم} أي: المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون {والقائلين لإخوانهم} أي: ساكني المدينة {هلم} أي: ائتوا وأقبلوا {إلينا} موهمين أن ناحيتهم مما يقام فيها القتال ويواظب فيها على صالح الأعمال قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون لإخوانهم ما محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لا التقمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا الرجل فإنه هالك، وقال مقاتل: نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدًا، فأنا أشفق عليكم، أنتم إخواننا وجيراننا فهلم إلينا، فأقبل عبد الله بن أُبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه وقالوا: ما ترجون من محمد، ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود فلم يزداد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيمانًا واحتسابًا.تنبيه:هلم اسم صوت سمي به فعل متعد مثل احضر وقرب، وأهل الحجاز يسوّون فيه بين الواحد والجماعة، وبلغتهم جاء القرآن العزيز، وأما بنو تميم فتقول: هلم يا رجل هلما يا رجلان هلموا يا رجال {ولا} أي: والحال أنهم لا {يأتون البأس} أي: الحرب أو مكانها {إلا قليلًا} أي: للرياء والسمعة بقدر ما يراهم المخلصون، فإذا اشتغلوا بالمعاركة وكفى كل منهم ما إليه تسللوا عنه لواذًا وعاذوا بمن لا ينفعهم من الخلق عياذًا.{أشحة} أي: يفعلون ما تقدم، والحال أن كلًا منهم شحيح {عليكم} أي: بحصول نفع منهم أو من غيرهم نفس أو مال.تنبيه:{أشحة} جمع شحيح وهو جمع لا يقاس، إذ قياس فعيل الوصف الذي عينه ولامه من واد واحد أن يجمع على أفعلاء نحو: خليل وأخلاء، وضنين وأضناء، وقد سمع أشحاء وهو القياس والشح البخل، وصفهم الله تعالى بالبخل ثم بالجبن. قوله تعالى: {فإذا جاء الخوف} أي: بمجيء أسبابه من الحرب ومقدماتها {رأيتهم} أي: أيها المخاطب. وقوله تعالى: {ينظرون} في محل حال من مفعول رأيتهم لأن الرؤية بصرية، وبيَّن بعدهم حسًا ومعنى بحرف الغاية بقوله تعالى: {إليك} أي: حال كونهم {تدور} فهي إما حال ثانية، وإما حال من ينظرون يمينًا وشمالًا بإدارة الطرف {أعينهم} أي: زائغًا رعبًا ثم شبهها في سرعة تقلبها لغير قصد صحيح بقوله تعالى: {كالذي} أي: كدوران عين الذي {يغشى عليه} مبتدأ غشيانه {من الموت} أي: من معالجة سكراته خوفًا ولواذًا بك، وذلك لأن قرب الموت وغشية أسبابه تذهب عقله وتشخص بصره فلا يطرف {فإذا ذهب الخوف} وحيزت الغنائم {سلقوكم} أي: تناولوكم تناولًا صعبًا بأنواع الأذى ناسين ما وقع منهم عن قرب من الجبن والخور، وأصل السلق البسط بقهر اليد أو اللسان، ومنه سلق امرأته أي: بسطها وجامعها قال القائل: فقد هُيّء لنا المضجع فإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع، والسليقة: الطبيعة المباينة، والسليق: المطمئن من الأرض {بألسنة حداد} ذربة قاطعة فصيحة بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللجلجة لا تقدر على الحركة من قلة الريق ويبس الشفاه، وهذا لطلب العرض الفاني من الغنيمة وغيرها. يقال للخطيب الذرب اللسان: الفصيح مسلق، وقال ابن عباس سلقوكم أي: عضهوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة وقال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، ويقولون أعطونا فإنا شهدنا معكم القتال ولستم بأحق بالغنيمة منا، ثم بين المراد بقوله تعالى: {أشحة} أي: شحًا مستعليًا {على الخير} أي: المال الذي عندهم وفي اعتقادهم أنه لا خير غيره لا يريدون أن يصل شيء منه إليكم ولا يفوتهم شيء منه فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند البأس أجبن قوم.ولما وصفهم تعالى بهذه الصفات الدنيئة أخبر تعالى أن أساسها الذي نشأت عنه عدم الوثوق بالله تعالى لعدم الإيمان فقال: {أولئك} أي: البعداء البغضاء {لم يؤمنوا} أي: لم يوجد منهم إيمان بقلوبهم وإن أقرت به ألسنتهم {فأحبط الله} أي: بجلاله وتفرده في كبريائه وكماله {أعمالهم} التي كانوا يأتونها مع المسلمين أي: فأظهر بطلانها، وإذا لم تثبت لهم الأعمال فتبطل، وقال قتادة: أبطل الله تعالى جهادهم {وكان ذلك} أي: الإحباط {على الله} بما له من صفات العظمة {يسيرًا} أي: هينًا لتعلق الإرادة به وعدم ما يمنعه.وقوله تعالى: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} يجوز أن يكون مستأنفًا أي: هم من الخوف بحيث أنهم لا يصدقون أن الأحزاب قد ذهبوا عنهم، ويجوز أن يكون حالًا من أحد الضمائر المتقدمة إذا صح المعنى بذلك ولو بعد العامل. قاله أبو البقاء.والمعنى: أن هؤلاء المنافقين يحسبون الأحزاب يعني قريشًا وغطفان واليهود ولم يتفرقوا عن قتالهم من غاية الجبن عند ذهابهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كقوله تعالى: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلًا}.وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بالكسر {وإن يأت الأحزاب} بعدما ذهبوا كرة أخرى {يودوا} أي: يتمنوا {لو أنهم بادون في الأعراب} أي: كائنون في البادية بين الأعراب الذين هم عندهم في محل نقص وممن تكره مخالطته، ثم ذكر حال فاعل بادون بقوله تعالى: {يسألون} كل وقت {عن أنبائكم} أي: أخباركم العظيمة مع الكفار وما آل إليه أمركم جريًا على ما هم عليه من النفاق ليبقوا لهم عندكم وجهًا، كأنهم مهتمون بكم يظهرون بذلك تحرقًا على غيبتهم عن هذه الحرب {ولو} أي: والحال أنهم لو {كانوا} هؤلاء المنافقون {فيكم} هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال {ما قاتلوا} معكم {إلا قليلًا} نفاقًا كما فعلوا قبل ذهاب الأحزاب من حضورهم معكم تارة واستئذانهم في الرجوع إلى منازلهم أخرى.ولما أخبر تعالى عنهم بهذه الأحوال التي هي غاية في الدناءة أقبل عليهم إقبالًا يدلهم على تناهي الغضب بقوله تعالى مؤكدًا محققًا لأجل إنكارهم: {لقد كان لكم} أيها الناس كافة الذين المنافقون في غمارهم {في رسول الله} الذي جلاله من جلاله وكماله من كماله {أسوة} أي: قدوة {حسنة} أي: صالحة وهو المؤتسى به أي: المقتدى به، كما تقول في البيضة: عشرون منًَّا حديدًا أي: هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد، أو أن فيه خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها، كالثبات في الحرب ومقاسات الشدائد إذ كسر رباعيته وجرح وجهه وقتل عمه، وأوذي بضروب الأذى، فواساكم مع ذلك بنفسه فافعلوا أنتم كذلك واستسنوا بسنته.تنبيه:الأسوة اسم وضع موضع المصدر وهو الائتساء، فالأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء وائتسى فلان بفلان أي: اقتدى به، وقرأ عاصم بضم الهمزة والباقون بكسرها وهما لغتان:كالعُدوة والعِدوة، والقُدوة والقِدوة وقوله تعالى: {لمن كان} أي: كونًا كائنه جبلة له {يرجو الله} أي: في جبلته أنه يجدد الرجاء مشمرًا للذي لا عظيم في الحقيقة سواه، فيؤمل إسعاده ويخشى إبعاده. تخصيص بعد التعميم للمؤمنين أي: أن الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان يرجو الله. قال ابن عباس: يرجو ثواب الله، وقال مقاتل: يخشى الله {واليوم الآخر} أي: يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال {وذكر الله} أي: الذي له صفات الكمال وقيده بقوله تعالى: {كثيرًا} تحقيقًا لما ذكر في معنى الرجاء الذي به الفلاح أو أن المراد به الدائم في حال السراء والضراء.ولما بين تعالى حال المنافقين ذكر حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب بقوله تعالى: {ولما رأى المؤمنون} أي: الكاملون في الإيمان {الأحزاب} أي: الذين أدهشت رؤيتهم القلوب {قالوا} أي: مع ما حصل لهم من الزلزال وتعاظم الأهوال {هذا} أي: الذي نراه من الهول {ما وعدنا الله} أي: الذي له الأمر كله من تصديق دعوانا الإيمان بالبلاء والامتحان {ورسوله} المبلغ بنحو قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} {أحسب الناس أن يتركوا} وأمثال ذلك.ثم قالوا في مقابلة قول المنافقين: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا {وصدق الله} أي: الذي له صفات الكمال {ورسوله} أي: الذي كماله من كماله أي: ظهر صدقهما في عالم الشهادة في كل ما وعدا به من السراء والضراء كما رأينا، وهما صادقان فيما غاب عنا مما وعدا به من نصر وغيره، وإظهار الاسمين للتعظيم والتيمن بذكرهما. قال بعض المفسرين: ولو أعيدا مضمرين لجمع بين الباري تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلم فكان يقال: وصدقا، وقد رد صلى الله عليه وسلم على من جمعهما بقوله: {من يطع الله ورسوله} فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، وأنكر عليه بقوله: بئس خطيب القوم أنت. قل: {ومن يعص الله ورسوله} قصدًا إلى تعظيم الله تعالى. وقيل: إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما، واستشكل بعضهم الأول بقوله: «حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» فقد جمع بينهما في ضمير واحد؟ وأجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم أعرف بقدر الله تعالى منا فليس لنا أن نقول كما يقول وقد يقال: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فالله جل وعلا أولى، وحينئذ فالقائل بأنه إنما رد عليه لأنه وقف على يعصهما أولى.
|